الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَأَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ , وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ , وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْعِيَادَةِ أَنْ تَضَعَ يَدَك عَلَى الْمَرِيضِ , وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيُّ وَغَيْرُهُ وَخُذْ بِيَدِ الْمَرِيضِ وَقُلْ: لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَعُودُ بَعْضَ أَهْلِهِ وَيَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَأْسَ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها , وَيَدْعُو لِلْمَرِيضِ بِالْعَافِيَةِ وَالصَّلَاحِ , وَمِمَّا وَرَدَ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك سَبْعًا . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك إلَّا عُوفِيَ , وَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ , وَالْإِخْلَاصَ , والمعوذتين وَقَوْلَ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَك يَنْكَأُ لَك عَدُوًّا , أَوْ يَمْشِي لَك إلَى صَلَاةٍ . وَصَحَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام عَادَهُ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيك مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيك مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ , أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيك بِاسْمِهِ أَرْقِيك . (وَلَا تُكْثِرْ) أَيُّهَا الْعَائِدُ عَلَى الْمَرِيضِ (سُؤَالًا) , فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ (تُنَكِّدْ) عَلَيْهِ عَيْشَهُ يُقَالُ: نَكَدَ عَيْشُهُمْ كَفَرِحَ اشْتَدَّ وَعَسِرَ وَنَاكَدَهُ عَاسَرَهُ وَتَنَاكُدًا تَعَاسُرًا , وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ كَثْرَةَ سُؤَالِ الْمَرِيضِ تَعْسُرُ عَلَيْهِ وَتَصْعُبُ وَتُضْجِرُهُ وَتَثْقُلُ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مَشْغُولًا بِحَالِهِ مُتَنَصِّلًا مِنْ ذَنْبِهِ وَضَلَالِهِ . رَاجِيًا عَفْوَ رَبِّهِ . خَائِفًا مِنْ وَصْمَةِ ذَنْبِهِ , بَلْ يَسْأَلُ الْعَائِدُ الْمَرِيضَ عَنْ حَالِهِ نَحْوُ كَيْفَ تَجِدُك؟ وَيُنَفِّسُ لَهُ فِي أَجَلِهِ بِمَا يُطَيِّبُ بِهِ نَفْسَهُ إدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: إذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْفُرُوعِ .
(تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ): ظَاهِرُ إطْلَاقِ النَّظْمِ اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ , وَلَوْ مِنْ وَجَعِ ضِرْسٍ أَوْ رَمَدٍ , أَوْ دُمَّلٍ خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي بْنِ الْمُنَجَّا , فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُعَادُونَ وَلَا يُسَمُّونَ مَرْضَى وَاحْتَجَّ بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ رَوَاهُ النِّجَادُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ثَلَاثَةٌ لَا يُعَادُ صَاحِبُهُنَّ الرَّمَدُ وَالضِّرْسُ وَالدُّمَّلُ قُلْت , وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَتَعَقَّبَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ (الثَّانِي): قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ نُقِلَ عَنْ إمَامِنَا رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَهُ وَلَدُهُ: يَا أَبَتِ إنَّ جَارَنَا فُلَانًا مَرِيضٌ فَمَا تَعُودُهُ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ مَا عَادَنَا فَنَعُودُهُ قَالَ: وَيُشْبِهُ هَذَا مَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنَاهُ فِي السَّلَامِ عَلَى الْحُجَّاجِ وَفِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ لِلْخَطَّابِيِّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيُعْطِي الْإِخْوَانَ حُقُوقَهُمْ فَتَرَكَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَرَكَهَا كُلَّهَا , وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَتَهَيَّأُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُخْبِرَ بِكُلِّ عُذْرٍ . وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: لَا تَعُدْ مَنْ لَا يَعُودُك وَلَا تَشْهَدْ جِنَازَةَ مَنْ لَا يَشْهَدُ جِنَازَتَك وَلَا تُؤَدِّ حَقَّ مَنْ لَا يُؤَدِّي حَقَّك , وَإِنْ عَدَلْت عَنْ ذَلِكَ فَأَبْشِرْ بِالْجَوْرِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرَادُ بِهَذَا التَّأْدِيبُ وَالتَّقْوِيمُ دُونَ الْمُكَافَأَةِ , وَالْمُجَازَاةِ , وَبَعْضُ هَذَا مِمَّا يُرَاضُ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
,وَأَنَّهُ مُجَابُ الدَّعْوَةِ (تَتِمَّةٌ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ , وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ إلَّا أَنَّ مَيْمُونَ بْنَ مَهْرَانَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا دَخَلْت عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ يَدْعُو لَك , فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَفِي رِوَايَةٍ سَلُوهُ الدُّعَاءَ , فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَلَمْ يُدْرِكْهُ قَالَ , وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ , وَتَقْلِيدُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ لَهُ وَاسْتَحَبَّهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ , وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: الْأَمْرَاضُ تُمَحِّصُ الذُّنُوبَ , وَقَالَ لِمَرِيضٍ تَمَاثَلْ يهنيك الطَّهُورُ . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عُودُوا الْمَرْضَى وَمُرُوهُمْ فَلْيَدْعُوا لَكُمْ , فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَرِيضِ مُسْتَجَابَةٌ وَذَنْبَهُ مَغْفُورٌ . وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَرْضَى , وَالْكَفَّارَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُرَدُّ دَعْوَةُ الْمَرِيضِ حَتَّى يَبْرَأَ ذَكَرَهُمَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ إشَارَةً لِضَعْفِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي الْفُرُوعِ رَوَى جَمَاعَةٌ فِي تَرْجَمَةِ مُوسَى بْنِ عُمَيْرٍ , وَهُوَ كَذَّابٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا: دَاوَوْا مَرَضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ , وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ يَفْعَلُونَ هَذَا , وَهُوَ حَسَنٌ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ انْتَهَى . قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وَدَاوُوا مَرَضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ , وَكَذَا أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ حَرِّزُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ , وَدَاوَوْا مَرَضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ , وَادْفَعُوا عَنْكُمْ طَوَارِقَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ , فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ: مَا نَزَلَ يَكْشِفُهُ وَمَا لَمْ يَنْزِلْ يَحْبِسُهُ , وَلَهُ شَوَاهِدُ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ , وَقَالَ: إنَّهَا مُنْكَرَةٌ , وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي الشَّيْخِ مَرْفُوعًا مَا عُولِجَ مَرِيضٌ بِدَوَاءٍ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَأَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَفِي تَسْمِيَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالسَّامِرَةِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَمَكْرُوهٌ اسْتِئْمَانُنَا أَهْلَ ذِمَّةٍ لِإِحْرَازِ مَالٍ , أَوْ لِقِسْمَتِهِ اشهد (وَمَكْرُوهٌ) شَرْعًا , وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ , وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا (اسْتِئْمَانُنَا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ اتِّخَاذُنَا أَمِينًا (أَهْلَ ذِمَّةٍ) أَيْ أَحَدًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ أَعْدَاؤُنَا فِي الدِّينِ فَكَيْفَ نَأْمَنُهُمْ وَنَرْكَنُ إلَيْهِمْ , وَأَهْلُ الذِّمَّةِ هُمْ أَهْلُ الْعَقْدِ , وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الذِّمَّةُ الأمان فِي قَوْلِهِمْ: يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَالذِّمَّةُ الضَّمَانُ , وَالْعَهْدُ أَيْضًا , وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْيهَوُدُ وَالنَّصَارَى , وَالْمَجُوسُ إذْ لَا تُعْقَدُ الذِّمَّةُ إلَّا لَهُمْ , فَإِنَّ الْيَهُودَ وَمِنْهُمْ السَّامِرَةُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ , وَوَاحِدُ الْيَهُودِ يَهُودِيٌّ وَلَكِنَّهُمْ حَذَفُوا يَاءَ النَّسَبِ فِي الْجَمْعِ كَزِنْجِيٍّ وَزِنْجٍ جَعَلُوا الْيَاءَ فِيهِ كَتَاءِ التَّأْنِيثِ فِي نَحْوِ شَعِيرَةٍ وَشَعِيرٍ , وَفِي تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُهُمْ: وَأَمَّا السَّامِرَةُ فَهُمْ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ إلَيْهِمْ نُسِبَ السَّامِرِيُّ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهُمْ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِي الشَّامِ يُعْرَفُونَ بِالسَّامِرِيِّينَ هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ سِيدَهْ , وَهُمْ فِي زَمَانِنَا يُسَمَّوْنَ السَّمَرَةَ بِوَزْنِ الشَّجَرَةِ , وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ مُتَشَدِّدُونَ فِي دِينِهِمْ , وَهُمْ مُقِيمُونَ بِقَصَبَةِ نَابُلُسَ , لَهُمْ دُورٌ وَأَمْلَاكٌ وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ خَالَفَتْ جَمِيعَ الْمِلَلِ فَزَعَمَتْ أَنَّ نَابُلُسَ هِيَ الْقُدْسُ وَهُمْ يُصَلُّونَ إلَى الْجَبَلِ الَّذِي قِبْلِيِّ نَابُلُسَ , وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الصُّخَيْرَاتِ لَهَا فَضْلٌ عَظِيمٌ وَيُزَخْرِفُونَ مِنْ عُقُولِهِمْ السَّخِيفَةِ وَضَلَالَاتِهِمْ الْبَاطِلَةِ أَشْيَاءَ يُرَوِّجُونَهَا عَلَى جُهَّالِهِمْ . وَأَمَّا النَّصَارَى فَوَاحِدُهُمْ نصران , وَالْأُنْثَى نَصْرَانَةٌ بِمَعْنَى نَصْرَانِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِ يُقَالُ لَهَا نَصْرَانُ , وَيُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ , وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ صَفْدٍ وَالنَّصَارَى يُعَظِّمُونَهَا ; لِأَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى نَشَأَ بِهَا , والأفرنج فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى وَهُمْ الرُّومُ وَيُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْأَصْفَرِ قَالَ فِي الْمُطْلِعِ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَصَّ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظِيَّةِ , وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ نِسْبَةٌ إلَى فَرَنْجَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَسُكُونِ ثَالِثَةٍ , وَهِيَ جَزِيرَةٌ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا فرنجي , ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ كَزِنْجِيٍّ وَزِنْجٍ , فَالْيَهُودُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالنَّصَارَى أَهْلُ الْإِنْجِيلِ , وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَيُكْرَهُ لَنَا أَنْ نَسْتَأْمِنَ أَحَدًا مِنْهُمْ لِإِحْرَازِ أَبْدَانِنَا فِي الطِّبِّ , فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُنَا , وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لَنَا فَكَيْفَ نَأْمَنُهُ عَلَى أَرْوَاحِنَا سِيَّمَا وَهُمْ يَطْلُبُونَا بِالثَّارَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَا بِأَيْدِينَا مِنْ أَمْلَاكِهِمْ , وَأَنَّا سَلَبْنَاهُمْ مِلْكَهُمْ وَدَوْلَتَهُمْ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَيْفَ يُؤْمَنُ عَلَى بَدَنٍ , أَوْ غَيْرِهِ؟ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ مُنَبِّهًا بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى (لِ) أَجْلِ (إحْرَازٍ) أَيْ حِفْظِ (مَالٍ) مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ) أَيْ وَمَكْرُوهٌ اسْتِئْمَانُنَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (لِ) أَجْلِ (قِسْمَتِهِ) أَيْ الْمَالِ (اشْهَدْ) بِذَلِكَ وَاعْتَقِدْهُ وَإِيَّاكَ , وَالْعُدُولَ عَنْهُ .
قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ وَحِفْظِ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَا يَكُونُ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَنَحْوَهُمَا . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قُلْت لِعُمَرِ رضي الله عنهما: إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ مَالَكَ: قَاتَلَك اللَّهُ أَمَا سَمِعْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: وَلِأَنَّ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ مَا لَا يَخْفَى , وَهُوَ مَا يَلْزَمُ عَادَةً أَوْ يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ تَصْدِيرِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ , وَالْقِيَامِ لَهُمْ وَجُلُوسِهِمْ وَوُقُوفِ الْمُسْلِمِينَ وَابْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ مَعَ تَذَلُّلِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ أَيْدِيهمْ وَخُضُوعِهِمْ لَدَيْهِمْ وَالتَّمَلُّقِ وَإِظْهَارِ الْحُبِّ , وَالْإِعْزَازِ لَهُمْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِمْ لِكَوْنِ الدِّيوَانِ فِي أَيْدِيهِمْ , وَذَكَرَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ فِي كِتَابِهِ دُرَرِ الْآدَابِ وَمَحَاسِنِ ذَوِي الْأَلْبَابِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى جَمِيعِ عُمَّالِهِ فِي الْآفَاقِ: أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّ عُمَرَ يُقْرِئُ عَلَيْكُمْ السَّلَامَ وَيَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُبِينِ قَالَ , وَكَتَبَ إلَى حَيَّانَ عَامِلِهِ بِمِصْرِ بِاعْتِمَادِ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ حَيَّانُ: أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ دَامَ هَذَا الْأَمْرُ فِي مِصْرَ أَسْلَمَتْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَبَطَلَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَاجِ , فَأَرْسَلَ إلَيْهِ خَالِدًا , وَقَالَ لَهُ: ائْتِ مِصْرَ فَاضْرِبْ حَيَّانَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثِينَ سَوْطًا أَدَبًا عَلَى قَوْلِهِ وَقُلْ لَهُ: وَيْلَك يَا حَيَّانُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَضَعْ عَنْهُ الْجِزْيَةَ فَوَدِدْت أَنْ أَسْلَمُوا كَافَّةً , اللَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم دَاعِيًا لَا جَابِيًا . قَالَ: وَكَتَبَ فِي أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ بَعْضُ الزُّهَّادِ لَمَّا رَأَى تَمَكُّنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِهْمَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: بِأَبِي وَأُمِّي ضَاعَتْ الْأَحْلَامُ أَمْ ضَاعَتْ الْأَذْهَانُ , وَالْأَفْهَامُ مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ أَلَهُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ قِيَامُ إلَّا تَكُنْ أَسْيَافُهُمْ مَشْهُورَةً فِينَا فَتِلْكَ سُيُوفُهُمْ أَقْلَامُ , ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّك تَحَمَّلْت أَمَانَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ , وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى السَّمَوَاتِ , وَالْأَرْضِ , وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا فَتُسْلِمُ أَنْتَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ الَّتِي قَدْ تدركت بِهَا وَخَصَّك اللَّهُ بِهَا إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا سَمِعْت تَفْسِيرَ جَدِّك عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ: لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلَّا أَحْصَاهَا , وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ التَّبَسُّمُ , وَالْكَبِيرَةَ الضَّحِكُ فَمَا ظَنُّك بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانَتِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ , وَقَدْ نَصَحْتُك وَهَذِهِ النَّصِيحَةُ حُجَّةٌ عَلَيَّ مَا لَمْ تَصِلْ , فَإِذَا وَصَلَتْ إلَيْك صَارَتْ حُجَّةً عَلَيْك فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ إلَى جَمِيعِ الْعُمَّالِ فِي الْبِلَادِ أَنْ لَا يُتْرَكَ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ يَكْتُبُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُمَّالِ . وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اسْتَكْتَبَ أَحَدًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قُطِعَتْ يَدُهُ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ , وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ مِنْ قَصِيدَةٍ يَمْدَحُ بِهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه وَيَحْثُّهُ عَلَى قَتْلِ الْقِبْطِ وَيُغْرِيه بِهِمْ وَأَنْشَدَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِلْمَأْمُونِ لَمَّا اسْتَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ الْقِبْطِ فَقَالَ: هُمْ بَقِيَّةُ الْفَرَاعِنَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِمِصْرِ . وَقَالَ لَهُ: وَقَدْ نَهَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ اسْتِخْدَامِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: صِفْ لِي كَيْفَ كَانَ شَأْنُهُمْ فِي مِصْرَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أَخَذَتْ الْفُرْسُ الْمُلْكَ مِنْ أَيْدِي الْفَرَاعِنَةِ قَتَلُوا الْقِبْطَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ اصْطَنَعَتْهُ أَيْدِي الْهَرَبِ وَاخْتَفَى وَتَعَلَّمُوا كُتَّابًا وَأَطِبَّاءً وحسابا , فَلَمَّا مَلَكَتْ الرُّومُ كَانُوا هُمْ سَبَبًا لِإِخْرَاجِ الْفُرْسِ عَنْ مُلْكِهِمْ , وَأَقَامُوا فِي مَمْلَكَةِ الرُّومِ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ , ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ , وَهِيَ: يَا عَمْرُو قَدْ مَلَكَتْ يَمِينُك مِصْرَنَا وَمَلَكْت فِيهَا الْعَدْلَ , والأقساطا فَاقْتُلْ بِسَيْفِك مَنْ تَعَدَّى طَوْرَهُ وَاجْعَلْ فَتُوحَ سُيُوفِك الأقباطا فِيهِمْ أُقِيمَ الْجَوْرُ فِي جَنْبَاتِهَا وَرَأَى الْأَنَامُ النَّفْيَ , والإفراطا عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَثَلَّثُوا لَاهُوتَهمْ وتوازروا وتعدوا الأشراطا لَا تَرْكَنَنَّ إلَى النَّصَارَى إنَّهُمْ شَعْبٌ عَلَى دِينِ الْإِلَهِ تعاطا وَاذْكُرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَوْلَهُ إنْ كُنْت فِي طَاعَاتِهِ مُحْتَاطًا لَا تقبلن لِمُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا تَرْعَى لَهُ ذِمَمًا وَلَا أَخْلَاطَا فَأَوْغَرَ صَدْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا عَادَ إلَى بَغْدَادَ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ أَسَاءُوا إلَى الْكِسَائِيِّ الِاعْتِمَادَ وَجَاهَرُوهُ بِالْبَغْيِ , وَالْفَسَادِ , فَلَمَّا قَرَأَ الْمَأْمُونُ قوله تعالى فَنَحْنُ مَهْمَا فَعَلْنَا بِالْمُسْلِمِينَ فَهُوَ قُبَالَةُ مَا فَعَلُوهُ بِنَا , وَجَمِيعُ مَا نَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ حِلٌّ لَنَا وَبَعْضُ مَا نَسْتَحِقُّهُ , فَإِذَا حَمَلْنَا إلَيْهِمْ مَالًا كَانَتْ الْمِنَّةُ لَنَا عَلَيْهِمْ , ثُمَّ أَنْشَدَ: بِنْتَ كَرَمٍ غَصَبُوهَا أَهْلَهَا وَأَهَانُوهَا بِدَوْسِ بالقدم , ثُمَّ عَادُوا حَكَّمُوهَا فِيهِمْ وَلَهَا أَمْرٌ بِخَصْمٍ يُحْتَكَمْ , وَنُقِلَ مِنْ مِثْلِ هَذَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ جِدًّا فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت , ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَحْسَن قَوْلَ الْجَاحِظِ: الْخِيَانَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ , ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ مَحَاسِنُهُمْ مساوي السفل ومساويهم فَضَائِحُ الْمِلَلِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ (تَنْبِيهٌ): اقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى كَوْنِ اسْتِئْمَانِنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي مَالٍ وَقِسْمَتِهِ مَكْرُوهًا , وَظَاهِرُ مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ حُرْمَةُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْغَزْوِ وَبِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ , فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكُفَّارٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ , وَأَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ إلَّا خَوْفًا قَالَ الشَّيْخُ: وَمَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَزْوٍ وَعِمَالَةٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ وَحِفْظِ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ , وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالضَّرُورَةِ الْحَاجَةَ ; لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِأَدْنَى حَاجَةٍ , ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَكُونُ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَجَهْبَذًا , وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ , وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ: وَيَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ الْوِلَايَاتِ مِنْ دِيوَانِ الْمُسْلِمِينَ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) وَغَيْرِهِ , وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْتَشَارُوا أَوْ يُؤْخَذَ بِرَأْيِهِمْ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَارِقًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالذِّمَّةِ: إنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ دُعَاةٌ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ , . وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ نَصًّا , وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ وَيُتَوَجَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكُفَّارٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ , وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لِحَاجَةٍ , وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا , زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَقُوَّتُهُ بِهِمْ بِالْعَدُوِّ . وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ , كَذَا قَالَ: وَفِي الْبُلْغَةِ: يُحَرَّمُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِحُسْنِ الظَّنِّ قَالَ: وَقِيلَ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَطْلَقَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ وَلَا يُعَاوَنُونَ وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ , وَالْكِتَابَةِ وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ مِثْلِ الْخَرَاجِ قَالَ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ , فَدَلَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ , وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ , وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفَاسِدُ أَوْ يُفْضِي إلَيْهَا , فَهُوَ أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ . وَقَالَ شَيْخُنَا: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِيْنَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ ; لِأَنَّهُ مِنْ الصِّغَارِ وَفِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَحْرِيمُ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ فِيهِ أَعْظَمَ الضَّرَرِ ; لِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ , وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ . فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ كَمَا عَلَيْهِ النَّاظِمُ , وَأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يَحْرُمُ ذَلِكَ , وَعَلَيْهِ الشَّيْخُ رضي الله عنه . قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْأَثَرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي رِسَالَةٍ لَهُ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ , فَاَللَّهُ يُؤَيِّدُ دِينَهُ وَيَنْصُرُ مِلَّةَ نَبِيِّهِ إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
وَحِكَايَةِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَعَ الْيَهُودِيِّ وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ لَا ضَرُورَةً وَمَا رَكَّبُوهُ مِنْ دَوَاءٍ مُوَصَّدٍ , (وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ) أَيْ طَلَبُ كَوْنِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ طَبِيبًا وَاِتِّخَاذَ أَحَدِهِمْ طَبِيبًا ; لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَافْتِقَادِ النَّصِيحَةِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ . قَالَ السُّلْطَانُ الْعَادِلُ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ فِي دُرَرِ الْآدَابِ يُقَالُ: إنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ جَمَعَتْهُ الطَّرِيقُ مَعَ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ , وَهُوَ رَاكِبٌ , وَالْيَهُودِيُّ رَاجِلٌ , فَلَمَّا وَصَلَا إلَى بَابِ الْمَدِينَةِ مَسَكَ الْمِقْدَادُ الْيَهُودِيَّ , وَقَالَ لَهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا صَحِبَ مُسْلِمٌ يَهُودِيًّا وَلَا عَامَلَهُ إلَّا غَشَّهُ وَأَنْتَ قَدْ سايرتني إلَى بَابِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ فَبِمَ غششتني؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: الْغِشُّ يَكُونُ فِي الْمُعَامَلَةِ , أَوْ فِي الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ , فَشَدَّدَ عَلَيْهِ الْمِقْدَادُ , وَأَنَّهُ لَا يُخَلِّيه دُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُ فَلَمَّا ضَايَقَهُ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: تُؤَمِّنُنِي عَلَى نَفْسِي وَأَصْدُقُك؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقَ وَاَللَّهِ نَبِيُّك إنَّهُ لَمَّا أَعْيَانِي الْأَمْرُ فِي غِشِّك , وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَكْرُوهٍ أُوصِلُهُ إلَيْك كُنْت أَمْشِي عَلَى ظِلِّك الْمُمْتَدِّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَثْقُلُ عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ مَثَابَتَهُمْ فِينَا وَسِيرَتَهُمْ فِي أَذِيَّتِنَا , فَهَلْ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِمْ بَدَنَهُ؟ "
(لَا) يُكْرَهُ اسْتِطْبَابُ أَهْلِ الذِّمَّةِ (ضَرُورَةً) أَيْ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ , وَلِأَنَّ إدْخَالَ الضَّرَرِ مِنْ اسْتِطْبَابِهِ مُتَوَهَّمٌ , وَالْعِلَّةَ مَعْلُومَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ اتِّخَاذِ مَا يُزِيلُ الْمَعْلُومَ مِنْ الضَّرَرِ بِخَوْفِ إدْخَالِ ضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ . قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ خَبِيرًا بِالطِّبِّ ثِقَةً عِنْدَ الْإِنْسَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يستطبه , كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُودِعَهُ الْمَالَ وَأَنْ يُعَامِلَهُ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يَسْتَطِبَّ الْحَارِثَ بْنَ كِلْدَةَ وَكَانَ كَافِرًا , وَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مُسْلِمًا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُودِعَهُ , أَوْ يُعَامِلَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ , وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى ائْتِمَانِ الْكِتَابِيِّ وَاسْتِطْبَابِهِ , فَلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَايَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَلَيْسَ الْكِتَابِيُّ بِقَيْدٍ فَالْمَجُوسِيُّ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
َ (وَ) مَكْرُوهٌ (مَا) أَيْ شَيْءٌ أَوْ الَّذِي (رَكَّبُوهُ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ الَّتِي لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَخْلِطَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَسْمُومَاتِ , أَوْ النَّجَاسَاتِ (مِنْ دَوَاءٍ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا دَاوَيْت بِهِ (مُوَصَّدٍ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَنْسُوجٍ وَمُرَكَّبٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْوَصْدُ بِحَرَكَةٍ النَّسْجُ , وَالْوَصَّادُ النَّسَّاجُ . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ أَنْ يُأْخُذَ مِنْهُ يَعْنِي الذِّمِّيَّ دَوَاءً لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةَ , وَكَذَا مَا وَصَفَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ , أَوْ عَمِلَهُ , وَقَالَ الْمَرْوَذِيُّ: أَدْخَلْت عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَصْرَانِيًّا فَجَعَلَ يَصِفُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ مَا وَصَفَهُ , ثُمَّ أَمَرَنِي فَاشْتَرَيْته لَهُ قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ فِي الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ , فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلدَّاءِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ , وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ فَلَا حَرَجَ فِي تَنَاوُلِهِ , وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشَارَ بِالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ جَالِسًا وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ فَلَا يُقْبَلُ , وَإِذَا خَاطَبَ الْكَافِرَ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَانَ حَسَنًا: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(تَتِمَّةٌ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنَّهُ لَا تَطِبُّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً وَلَا تَقْبَلُهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ تَطِبُّهَا أَوْ تَقْبَلُهَا , وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَحْرِيمِ نَظَرِ الذِّمِّيَّةِ لِلْمُسْلِمَةِ , وَإِلَّا جَازَ وَعَنْهُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَقْبَلُهَا وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ وَيُكْرَهُ أَنْ تَطِبَّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً , وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَقْبَلَهَا فِي وِلَادَتِهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ فَظَهَرَ الْجَوَازُ , وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى , وَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْأُنْثَى الرَّجُلَ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ مَرِضَتْ أُنْثَى وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا طَبِيبًا سِوَى فَحْلٍ أَجِزْهُ ومهد (وَإِنْ مَرِضَتْ أُنْثَى) دَاوَتْهَا وَطَبَّتْهَا أُنْثَى مِثْلُهَا , وَلَوْ كَافِرَةً فِيمَا يَظْهَرُ (وَ) إنْ (لَمْ يَجِدُوا لَهَا) أَيْ الْأُنْثَى (طَبِيبًا سِوَى فَحْلٍ) , يُفْهَمُ مِنْ نِظَامِهِ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ خَصِيٌّ يُقَدَّمُ عَلَى الْفَحْلِ وَيُتَّجَهُ , وَكَذَا خُنْثَى , فَإِنْ عَدِمْنَا الْأُنْثَى , وَالْخَصِيَّ , وَالْخُنْثَى بِمَعْنَى تَعَذُّرِ تَأَتِّي الْمَقْصُودِ مِنْهُمْ , وَلَمْ يَتَأَتَّ إلَّا مِنْ ذَكَرٍ فَحْلٍ (أَجِزْهُ) وَلَا تَمْنَعْهُ (ومهد) جَوَازَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ , وَحَيْثُ جَازَ ذَلِكَ , فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مِنْهَا نَظَرُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَظَرِهِ حَتَّى الْفَرْجِ , وَكَذَا اللَّمْسُ لِلضَّرُورَةِ , وَكَذَا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ يَطِبُّهُ سِوَى امْرَأَةٍ فَلَهَا نَظَرُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَظَرِهِ مِنْهُ حَتَّى فَرْجِهِ قَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا نَصَّ عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَا إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ نَصًّا , وَكَذَلِكَ تَجُوزُ خِدْمَةُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَيُشَاهِدُ مِنْهَا الْعَوْرَةَ فِي حَالِ الْمَرَضِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَحْرَمٌ نَصًّا , وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَنْ يَلِيَ بَعْضُهُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ نَصًّا , وَحَيْثُ جَازَ لِلطَّبِيبِ مُدَاوَاةُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ , فَلَا تَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ الْمَرْوَذِيُّ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكَحَّالِ: يَخْلُو بِالْمَرْأَةِ , وَقَدْ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِهِ النِّسَاءُ هَلْ هَذِهِ الْخَلْوَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ قِيلَ: بَلَى قَالَ: إنَّمَا الْخَلْوَةُ تَكُونُ فِي الْبَيْتِ .
وَيُكْرَهُ حَقْنُ الْمَرْءِ إلَّا ضَرُورَةً وَيَنْظُرُ مَا يَحْتَاجُهُ حَاقِنٌ قَدْ (وَيُكْرَهُ حَقْنُ الْمَرْءِ) أَيْ الْإِنْسَانِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (إلَّا ضَرُورَةً) يَعْنِي حَاجَةً , إذْ الْكَرَاهَةُ تَزُولُ بِأَدْنَى حَاجَةٍ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ يُقَالُ: حَقَنْت الْمَرِيضَ إذَا أَوْصَلْت الدَّوَاءَ إلَى بَاطِنِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ بالحقنة بِالْكَسْرِ وَاحْتَقَنَ هُوَ وَالِاسْمُ الْحُقْنَةُ مِثْلُ الْفُرْقَةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ , ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا يَتَدَاوَى بِهِ , وَالْجَمْعُ حُقَنٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ قَالَ الْقَاضِي هَلْ تُكْرَهُ الحقنة , عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: تُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ وَغَيْرِهَا , وَالثَّانِيَةُ: لَا تُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ , وَقَالَ الْخَلَّالُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَرِهَهَا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ , ثُمَّ أَبَاحَهَا عَلَى مَعْنَى الْعِلَاجِ , وَقَالَ الْمَرْوَذِيُّ: وُصِفَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَفَعَلَ يَعْنِي الحقنة وَاحْتَجَّ الْقَاضِي لِلْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ يَعْنِي كَرَاهَةَ الحقنة مُطْلَقًا بِمَا رَوَى وَكِيعٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الحقنة وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رَجُلٌ احْتَقَنَ قَالَ: لَا تُبْدِ الْعَوْرَةَ وَلَا تَسْتَنَّ بِسُنَّةِ الْمُشْرِكِينَ رَوَاهُ الْخَلَّالُ . وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الحقنة كُفْرٌ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الحقنة وَكَرِهَهَا عَلِيٌّ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ , وَقَالَ: هِيَ سُنَّةُ الْمُشْرِكِينَ , وَالْمُعْتَمَدُ كَرَاهَتُهَا بِلَا حَاجَةٍ وَلَهَا تُبَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(وَيَنْظُرُ مَا) أَيْ شَيْئًا أَوْ الَّذِي (يَحْتَاجُهُ حَاقِنٌ) , فَالضَّمِيرُ فِي يَحْتَاجُهُ لِلْحَاقِنِ , وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ رُتْبَةً , وَإِنْ تَأَخَّرَ لَفْظًا أَيْ وَيَنْظُرُ الْحَاقِنُ يَعْنِي الَّذِي يَحْقِنُ الْمَرِيضَ مَا يَحْتَاجُ النَّظَرَ إلَيْهِ مِنْ عَوْرَةِ الْمُحْتَقِنِ (قَدْ) أَيْ حَسَب يَعْنِي لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَّا إلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ . كَقَابِلَةٍ حِلٌّ لَهَا نَظَرٌ إلَى مَكَانِ وِلَادَاتِ النِّسَا فِي التَّوَلُّدِ (كَقَابِلَةٍ) , فَإِنَّهَا تَنْظُرُ إلَى مَا تَحْتَاجُ النَّظَرَ إلَيْهِ فَقَطْ , وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (حِلٌّ) أَيْ حَلَالٌ (لَهَا) أَيْ الْقَابِلَةِ (نَظَرٌ) أَيْ: أَنْ تَنْظُرَ (إلَى) مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ (مَكَانِ وِلَادَاتِ النِّسَا فِي التَّوْلِيدِ) فَتَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الْوِلَادَةِ وَنَحْوِهِ لِلْحَاجَةِ , وَلَا تَقْبَلُ الذِّمِّيَّةُ الْمُسْلِمَةَ مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ تَقْبَلُهَا وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا . (تَتِمَّةٌ) يَجُوزُ نَظَرُ الْعَوْرَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا لِلطَّبِيبِ فِي الحقنة وَغَيْرِهَا وَمِنْهَا لِلْقَابِلَةِ . وَمِنْهَا لِلْخِتَانِ . وَمِنْهَا النَّظَرُ لِمَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ . وَمِنْهَا حَلْقُ عَانَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُ حَلْقَ عَانَتِهِ . وَمِنْهَا مَا ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْجِهَادِ: إذَا وَقَفَتْ امْرَأَةٌ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ , أَوْ عَلَى حِصْنِهِمْ فَتَكَشَّفَتْ لَهُمْ يَعْنِي لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ رَمْيُهَا قَصْدًا , وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى رَمْيِهَا . وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ أَشْرَفَتْ امْرَأَةٌ فَكَشَفَتْ عَنْ قُبُلِهَا فَقَالَ: هادونكم فَارْمُوهَا فَرَمَاهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَا أَخْطَأَ ذَاكَ مِنْهَا . وَمِنْهَا مَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ . وَمِنْهَا إذَا اخْتَلَفُوا فِي عَبَالَةِ ذَكَرِهِ بِأَنْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ عَبَالَةَ ذَكَرِهِ وَضِيقَ فَرْجِهَا , وَخَافَتْ مِنْهُ الْإِفْضَاءَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ , فَتَلْزَمُهَا الْبَيِّنَةُ , وَيُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِي ضِيقِ فَرْجِهَا وَعَبَالَةِ ذَكَرِهِ وَنَحْوِهِ , وَتَنْظُرُهُمَا وَقْتَ اجْتِمَاعِهِمَا لِلْحَاجَةِ , وَكَذَا كُلُّ مَا شَابَهُ ذَلِكَ مِثْلُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْبَكَارَةِ وَعَدَمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَسْرِ قَطْعُ بواسر وَبَطُّ الْأَذَى حِلٌّ كَقَطْعِ مُجَوَّدٍ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (إنْ لَمْ يَسْرِ) أَيْ إنْ لَمْ يَخَفْ سِرَايَتَهُ (قَطْعُ بواسر) جَمْعُ بَاسُورٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَاسُورُ عِلَّةٌ مَعْرُوفَةٌ وَجَمْعُهُ بَوَاسِيرُ . وَفِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ الْبَاسُورُ وَاحِدُ الْبَوَاسِيرِ , وَهِيَ عِلَّةٌ تَحْدُثُ فِي الْمَقْعَدَةِ وَفِي دَاخِلِ الْأَنْفِ أَيْضًا , وَقَدْ تُبْدَلُ السِّينُ صَادًا فَيُقَالُ باصور , وَلَمْ أَرَ مَنْ جَعَلَ جَمْعَهُ بواسر كَمَا فِي النَّظْمِ فَتَفَطَّنْ . قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ كَغَيْرِهِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ عَلَى كَرَاهَةِ قَطْعِ الْبَوَاسِيرِ , وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: أَكْرَهُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً أَخْشَى أَنْ يَمُوتَ فَيَكُونَ قَدْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَقَدَّمَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى الْإِبَاحَةَ , وَعِبَارَتُهُ: وَيُبَاحُ قَطْعُ الْبَوَاسِيرِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ , وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ التَّلَفُ حَرُمَ , وَإِنْ خِيفَ مِنْ تَرْكِ قَطْعِهَا التَّلَفُ جَازَ إنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ غَالِبًا , ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ السَّامِرِيُّ: وَالنَّهْيُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ , وَقَالَ غَيْرُهُ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ , وَفِي رِوَايَةِ إسْحَاقَ: أَكْرَهُهُ شَدِيدًا كَمَا قَدَّمْنَا (وَبَطُّ) مِنْ بَابِ قَتَلَ شَقَّ (الْأَذَى) يَعْنِي أَنَّ بَطَّ نَحْوَ الْجُرْحِ مِنْ الْبُثُورِ وَمَا يَطْلُعُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ لِيَخْرُجَ مِنْهَا الْأَذَى مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ (حِلٌّ) أَيْ حَلَالٌ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى , وَيُبَاحُ الْبَطُّ ضَرُورَةً مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ , (كَمَا) يَحِلُّ (قَطْعُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ (مُجَوَّدِ) أَيْ مُمَكَّنٍ الدَّاءُ فِيهِ فَيُقْطَعُ .
خَوْفَ السَّرَيَانِ لِآكِلَةٍ تَسْرِي بِعُضْوٍ أَبِنْهُ إنْ تَخَافَنَّ عُقْبَاهُ وَلَا تتردد (لِ) أَجْلِ زَوَالِ (آكِلَةٍ تَسْرِي) مِنْ السَّرَيَانِ أَيْ تَزِيدُ (بِعُضْوٍ) هِيَ فِيهِ (أَبِنْهُ) أَيْ اقْطَعْهُ وَافْصِلْهُ عَنْك (إنْ) كُنْت (تَخَافَنَّ عُقْبَاهُ) أَيْ عَاقِبَتَهُ إنْ لَمْ تَقْطَعْهُ بِأَنْ خِفْت زِيَادَةَ الْأَلَمِ وَسَرَيَانَ الْأَذَى , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَبِنْهُ عَنْك (وَلَا تتردد) فِي قَطْعِهِ , فَإِنَّهُ حَلَالٌ جَائِزٌ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَذِيِّ: كَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ الْبَطَّ وَلَكِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَخَّصَ فِيهِ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَكَذَا مُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ كُلِّهَا وَمُدَاوَاتُهَا وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ نَعُودُهُ بِظَهْرِهِ وَرَمٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ مِدَّةٌ قَالَ: بُطُّوا عَنْهُ قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا بَرِحْت حَتَّى بُطَّتْ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُشَاهِدُ . وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ طَبِيبًا أَنْ يُبْطِنَ بَطْنَ رَجُلٍ أَحَوَى الْبَطْنِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَنْفَعُ الطِّبُّ؟ قَالَ: الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الشِّفَاءَ فِيمَا شَاءَ وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَقَدْ خَرَجَ فِي بَعْضِ أُصْبُعِي بَثْرَةٌ فَقَالَ: عِنْدَك ذَرِيرَةٌ قُلْت: نَعَمْ قَالَ: ضَعِيهَا وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ مُصَغِّرَ الْكَبِيرِ وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ صَغِّرْ مَا بِي . الْبَثْرُ , وَالْبُثُورُ خُرَاجٌ صِغَارٌ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَاحِدَتُهَا بَثْرَةٌ , وَقَدْ بَثِرَ وَجْهُهُ يَبْثَرُ بِتَثْلِيثِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ , وَالذَّرِيرَةُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ دَوَاءٌ هِنْدِيٌّ يُتَّخَذُ مِنْ قَصَبٍ طَيِّبٍ يُجَاءُ بِهِ مِنْ الْهِنْدِ حَارَّةً يَابِسَةً تَنْفَعُ مِنْ وَرَمِ الْمَعِدَةِ , وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ , وَالْإِحْرَامِ (لَطِيفَةٌ): ذَكَرَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ فِي شَرْحِ حُكْمِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ , وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُمَا: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما اُبْتُلِيَ بِقُرْحَةٍ فِي سَاقِهِ فَبَلَغَتْ إلَى أَنْ نُشِرَ سَاقُهُ فِي الْمَوْضِعِ الصَّحِيحِ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ الْأَطِبَّاءُ: أَلَا نَسْقِيك مُرْقِدًا فَلَا تَحُسُّ بِمَا نَصْنَعُ بِك فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ شَأْنُكُمْ فَنَشَرُوا مِنْهُ السَّاقَ , ثُمَّ حَسَمُوهَا بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ فَمَا حَرَّكَ عُضْوًا وَلَا أَنْكَرُوا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى مَسَّهُ الزَّيْتُ فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ حَسَنٌ .
وَقَبْلَ الْأَذَى لَا بَعْدَهُ الْكَيَّ فاكرهن وَعَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُقَيَّدِ (وَقَبْلَ) حُصُولِ (الْأَذَى) الْمُحْوِجِ إلَى الْكَيِّ بِالنَّارِ , وَكَذَا قَبْلَ حُصُولِ الدَّاءِ الْمُوجِبِ لِقَطْعِ بَعْضِ الْعُرُوقِ مَكْرُوهٌ الْكَيُّ وَقَطْعُ الْعُرُوقِ, (لَا) يُكْرَهُ ذَلِكَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ الدَّاءِ الْمُوجِبِ (لِلْكَيِّ) وَنَحْوُهُ ضَرُورَةً , وَأَمَّا قَبْلَ حُصُولِ الدَّاءِ الْكَيَّ (فاكرهن) أَيْ فاكرهن الْكَيَّ بِالنَّارِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ , وَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ . وَقَوْلُهُ (فاكرهن) فِعْلُ أَمْرٍ مُؤَكَّدٍ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ , وَالْكَيُّ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ , (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه كَرَاهَةُ الْكَيِّ (عَلَى) سَبِيلِ (الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ) بِحُصُولِ الْأَذَى , فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُكْرَهُ الْكَيُّ مُطْلَقًا قَبْلَ حُصُولِ الْأَذَى وَبَعْدَهُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ: صلى الله عليه وسلم مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِيءَ مِنْ التَّوَكُّلِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عِمْرَانَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَوْضِعٍ يُكْرَهُ الْكَيُّ وَقَطْعُ الْعُرُوقِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ , وَالْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ , وَفِي الْفُرُوعِ وَفِي كَرَاهَةِ مَوْتِ الْفَجْأَةِ رِوَايَتَانِ , وَالْأَخْبَارُ مُخْتَلِفَةٌ , وَكَذَا الرِّوَايَتَانِ فِي حقنة لِحَاجَةٍ وَقَطْعِ الْعُرُوقِ وَفَصْدِهَا , وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَيٍّ وَرَقْيَةٍ وَتَعْوِيذَةٍ وَتَمِيمَةٍ , وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَبْلَ الْأَلَمِ فَقَطْ , وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا . ثَالِثُهَا: انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ حُصُولِ الدَّاءِ , وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ , أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ خَبَّابٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ , وَقَدْ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ سَبْعَ كَيَّاتٍ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَقِيت , وَكَأَنَّهُ قَالَهُ رضي الله عنه تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِ الْمُصَابِ لَا عَلَى وَجْهِ الشِّكَايَةِ . قُلْت: وَإِذَا عَلِمْت ثُبُوتَ النَّهْيِ عَنْ الْكَيِّ وَتَحَقَّقْت أَنَّهُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ , وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ , ظَهَرَ لَك أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِنُزُولِ الضَّرَرِ إذْ الْقَاعِدَةُ: زَوَالُهَا بِأَدْنَى حَاجَةٍ . فَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ كَرَاهَةِ الْكَيِّ لِلْحَاجَةِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أُبَيِّيَ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا , ثُمَّ كَوَاهُ . وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ مَرَّتَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ . وَلِمُسْلِمٍ رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ , ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ . قَوْلُهُ فَحَسَمَهُ أَيْ كَوَاهُ وَكَوَى صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنْ الشَّوْكَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَيُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ لِلنَّهْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
|